ماذا تعرف عن معركة بلاط
الشهداء؟
تاريخ
المعركة
معركة بلاط الشهداء أو معركة تورز
وقعت (أواخر شعبان 114 هـ = 10 أكتوبر عام 732 م) بين قوات المسلمين بقيادة عبد الرحمن
الغافقي وقوات الإفرنج بقيادة تشارلز مارتل.
التسمية
البلاط في اللغة العربية تعني
القصر، وسميت هذه المعركة ببلاط الشهداء في التاريخ الإسلامي لأن المعركة وقعت بالقرب من
قصر مهجور وأضيفت كلمة الشهداء لكثرة ما وقع في تلك المعركة من قتلى للمسلمين. أما
الأوروبيون فينسبون المعركة لمدينة تورز التي وقعت المعركة بالقرب منها
فيسمونها معركة تورز وتسمى كذلك معركة بواتييه لوقوعها أيضا بالقرب
من بلدة بواتييه في فرنسا.
ما
قبل المعركة
بعد أن فتح المسلمون الأندلس
ووطدوا حكمهم فيها عبروا جبال البرانس وبدأوا في فتح الأراضي الإفرنجية (فرنسا في الوقت
الحاضر) على يد قائدهم في ذلك الوقت السمح بن مالك الخولاني وتم على يده فتح
مدن منطقة سبتمانيا أربونة وبيزارس وآجده ولوديفيه وماغيولون ونييمس. رجع السمح إلى
الأندلس ليجمع جيشا يحاصر به مدينة طولوشة (أو تولوز) ويقال أنه جمع أكثر
من 100 ألف شخص من الفرسان والمشاة. قام المسلمون بحصار تولوز طويلا حتى
كاد أهلها أن يستسلموا إلا إن الدوق أودو دوق أقطانيا (أكوينتين) باغته
بإرسال جيش ضخم فنشبت معركة هائلة عرفت في التاريخ باسم معركة طولوشة ثبت
فيها المسلمون ثباتا عظيما على قلة عددهم وأبدوا شجاعة نادرة، وفي الوقت
الذي تأرجح فيه النصر بين الفريقين سقط السمح بن مالك شهيدًا من فوق جواده
في (9 من ذي الحجة 102 هـ = 9 من يونيو 721م)، فاضطربت صفوف الجيش واختل
نظامه وارتد المسلمون إلى "سبتمانيا" بعد أن فقدوا زهرة جندهم.
كان السمح هو
والي الأمويين في بلاد الأندلس
وبعد وفاته قام الأندلسيون بتعيين عبد الرحمن الغافقي كوال مؤقت حتى ينظر الخليفة في من
سيعين عليهم.
عين عنبسة بن سحيم الكلبي كوال
للأندلس فقام بإكمال ما بدأ به السمح بن مالك وقد توغل كثيرا في الأراضي الفرنسية حتى
بلغ مدينة أوتون في شرق فرنسا وفي طريق عودته إلى الأندلس فاجأته قوات إفرنجية
فأصيب إصابة بليغة لم يلبث أن مات على إثرها في ديسمبر 725 م. ثم جاء 4 ولاة للأندلس
لم يحكم أغلبهم أكثر من 3 سنين حتى عين عبد الرحمن الغافقي عام 730 م.
قام عبد الرحمن بإخماد الثورات
القائمة في الأندلس بين العرب والبربر وعمل على تحسين وضع البلاد الأمني والثقافي. وفي تلك
الأثناء قام الدوق أودو بالتحالف مع حاكم إقليم كاتلونيا المسلم عثمان بن نيساء
وعقد صلحا بينه وبين المسلمين وتوقفت الفتوحات الإسلامية في بلاد الإفرنج.
كان الدوق أودو يعلم أن عدوه الأبرز هو تشارلز مارتل -وخاصة بعد معركة
طولوشة- وأنه إذا صالح المسلمين فإنه سيأمن هجماتهم من جهة وسيشكلون قوة
ورادعا في وجه تشارلز مارتل من جهة أخرى إذ لن يفكر تشارلز في مهاجمته
خوفا من المسلمين.
خط
سير الحملة
جمع عبد الرحمن جنده في
"بنبلونة" شمال الأندلس، وعبر بهم في أوائل سنة
(114 هـ = 732م) جبال ألبرت ودخل
فرنسا (بلاد الغال)، واتجه إلى الجنوب إلى مدينة "آرال" الواقعة على نهر
الرون؛ لامتناعها عن دفع الجزية وخروجها عن طاعته، ففتحها بعد معركة هائلة، ثم توجه غربا
إلى دوقية أقطاينا "أكويتين"، وحقق عليها نصرا حاسما على ضفاف نمهر
الدوردوني ومزّق جيشها شر ممزق، واضطر الدوق "أودو" أن يتقهقر بقواته نحو
الشمال تاركا عاصمته "بردال" (بوردو) ليدخلها المسلمون فاتحين، وأصبحت ولاية
أكويتين في قبضة المسلمين تماما، ومضى الغافقي نحو نهر اللوار وتوجه إلى
مدينة "تور" ثانية مدائن الدوقية، وفيها كنيسة "سان مارتان"، وكانت
ذات شهرة فائقة آنذاك؛ فاقتحم المسلمون المدينة واستولوا عليها.
ولم يجد الدوق "أودو"
بدا من الاستنجاد بالدولة
الميروفنجية، وكانت أمورها في يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته، وكان من قبل لا يُعنى
بتحركات المسلمين في جنوب فرنسا؛ نظرا للخلاف الذي كان بينه وبين أودو دوق أقطانيا
استعداد
الفرنجة
وجد شارل مارتل في طلب نجدته فرصة
لبسط نفوذه على أقطانيا التي كانت بيد غريمه وكان يعلم أن العقبة الوحيدة في طريقه هي
جيش المسلمين. كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتي
بواتييه وتور بعد أن استولى على المدينتين، وفي ذلك الوقت كان جيش تشارلز
مارتل قد انتهى إلى نهر اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه، وحين
أراد الغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل
استعداده فاجأه مارتل بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في
الكثرة، فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه
وتور، وعبر تشارلز بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من
جيش الغافقي . لقد اختار مارتل
بحنكته مكان المعركة وتوقيتها أي أنه أجبر المسلمين على التواجد في المكان الذي يريده لهم.
المعركة
نشب القتال بين الفريقين في (أواخر
شعبان 114 هـ = أكتوبر 732م) وحصلت بعض المناوشات بين الجيشين وكأن المعركة حرب
استنزاف، من يصمد أكثر من الطرفين ينتصر. ومكث الطرفين على هذه الحال من 6 إلى 9
أيام (هناك اختلاف بين المؤرخين على مدة المعركة) وفي اليوم الأخير للمعركة قامت
معركة قوية بين الجيشين ولاح النصر للمسلمين. ولكن حدث أن اخترقت فرقة من
فرسان العدو إلى خلف صفوف المسلمين، حيث معسكر الغنائم، فارتدت فرقة كبيرة
من الفرسان من قلب المعركة لرد الهجوم المباغت وحماية الغنائم، غير أن هذا
أدى إلى خلل في النظام، واضطراب صفوف المسلمين واستطاع الإفرنج النفاذ
في قلب الجيش الإسلامي. ثبت عبد الرحمن مع قلة من جيشه وحاولوا رد الهجوم
بلا جدوى وقتل عبد الرحمن فازداد اضطراب المسلمين ولولا بقية من ثبات راسخ
وإيمان جياش، ورغبة في النصر لحدثت كارثة كبرى للمسلمين أمام جيش يفوقهم
عددا. وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهزوا فرصة ظلام الليل حتى
ينسحبوا لقاعدتهم أربونة قرب جبال البرانس، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم
غنيمة للعدو.
ولما لاح الصباح نهض الفرنجة
لمواصلة القتال فلم يجدوا أحدا من المسلمين، ولم يجدوا سوى السكون الذي يطبق على المكان،
فتقدموا على حذر نحو الخيام لعل في الأمر خديعة فوجدوها خاوية إلا من الجرحى العاجزين
عن الحركة؛ فذبحوهم على الفور، واكتفى شارل مارتل بانسحاب المسلمين،
ولم يجرؤ على مطاردتهم، وعاد بجيشه إلى الشمال من حيث أتى.
وكانت هذه
المعركة آخر الفتوحات الإسلامية في بلاد أوروبا فبعدها توقف الزحف الإسلامي.