ورد في بعض الأحاديث [من حديث أبي هريرة وسلمان وغيرهما] تسمية رمضان
بـ(شهر الصبر)كما في مسند أحمد (2/263) وسنن أبي داود (2/322) والسنن
الكبرى للنسائي: وفيه (شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر)
(2/134) وفي سنن النسائي(4/218) وسنن ابن ماجه (1/554) ومن المراجع التي
ذكر فيها ذلك، صحيح ابن خزيمة بلفظ (وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة)
(3/191) وفي صحيح ابن حبان: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن
وحر الصدور) [(14/498) ومعنى "وحَر الصَّدر" : "غِشُّه ووساوسُه. وقيل:
الحقد والغيظ. وقيل: العداوة. وقيل: أشدّ الغضب." والمراد سلامة صدر
الصائم من تلك الأمور]
وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير، إلا أنه قال ثنا رجل من عكل ورجال أحمد رجال الصحيح (3/196)
قال في عون المعبود: قال الخطابي "شهر الصبر هو شهر رمضان، وأصل الصبر
الحبس، فسمي الصيام صبرا، لما فيه من حبس النفس عن الطعام، ومنعها عن وطء
النساء وغشيانهن، في نهار رمضان (7/58)
وهو جدير بأن يسمى (شهر الصبر) لأن الصائم يصبر فيه تسعة وعشرين أو ثلاثين
يوما، على الامتناع عما يصعب الكف عنه، وأعظمه الطعام والشراب والوقاع كما
مضى.
ولا شك أن الصبر عن هذه الأمور في هذه الأيام المتوالية، من أهم مجالات
تدريب النفس على الصبر على أوامر الله بفعلها، وعلى نواهي الله بتركها، في
هذا الشهر وغيره.
وصبر العبد على طاعته لله في أمره ونهيه، جزاؤه الجنة، ومرافقة أولياء الله من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
كما قال تعالى: ((ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيق))[النساء (69)]
و قال تعال: ((ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم)) [النساء (13)]
والصبر عدة المؤمن التي ينال به الرضا بقضاء الله، عندما يبتلى في نفسه
وأهله وماله، وهو من المبشرين بهدى الله، وأن تغشاه رحمته، ويحظى بصلواته
عليه، كما قال تعالى:
((ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون
(156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)) (157)
[البقرة]
قال الطبري رحمه الله: "وقد قيل: إن معنى الصبر في هذا الموضع الصوم،
والصوم بعض معاني الصبر عندنا، بل تأويل ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره
أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم، من طاعة الله وترك معاصيه، وأصل الصبر
منع النفس محابَّها وكفها عن هواها، ولذلك قيل للصابر على المصيبة صابر
لكفه نفسه عن الجزع، وقيل لشهر رمضان شهر الصبر لصبر صائمه عن المطاعم
والمشارب نهارا..." [جامع البيان عن تأويل القرآن (1/259)]
وممن فسر الصبر في آية البقرة السابقة، بصيام شهر رمضان، الإمام الشافعي
رحمه الله، قال القرطبي: "وقال الشافعي هو الجوع في شهر رمضان" الجامع
لأحكام القرآن [(2/173)]
والمؤمن وحده هو الذي يحظى بالخير في سرائه وضرائه، بما منحه الله من
الصبر على الحالين، كما في حديث صهيب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد
إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان
خيرا له) [مسلم (4/2295)]
وقد أمر الله عباده المؤمنين، أن يستعينوا بالصبر والصلاة على قيامهم بما
يرضيه، من تعلم دينهم الذي جاء به رسوله، وتزكية نفوسهم به، ومداومتهم على
ذكره وشكره، كما قال تعالى:
((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب
والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون (151) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا
تكفروني (152) ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع
الصابرين)) (153) [البقرة ]
وفسر بعض العلماء الصبر هنا أيضا بصوم رمضان، قال القرطبي: "وقول ثالث قال
مجاهد: "الصبر في الآية الصوم" ومنه قيل لرمضان شهر الصبر، فجاء الصوم
والصلاة على هذا القول في الآية متناسبا، في أن الصيام يمنع من الشهوات
ويزهد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع، ويقرأ فيها
القرآن الذي يذكر الآخرة والله أعلم" [الجامع لأحكام القرآن (1/372)]
والصبر له آثاره في سلوك صاحبه، في مقامات كثيرة من حياته، يعينه فيها على فعل طاعة ربه، وترك معصيته، من تلك المقامات:
1- مقام الجهاد في سبيل الله، ومقارعة الأعداء، دفعا لعدوانهم، وتحطيما
لسدود الصد عن تبليغ الإسلام إلى الناس، فالمجاهدون في سبيل الله يثبتهم
الله بالصبر وهم قليلة، ويمنحهم النصر على الأعداء وهم فئة كثيرة، ويكون
تدريب المجاهدين واختبارهم، هو طاعة قائدهم، في تحديد كمية ما تشتهيه
أنفسهم مما هو مباح لهم في الأصل، كشرب الماء، وهو شبيه بالصيام.
قال تعالى: ((فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب
منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه
إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم
بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة
كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)) [البقرة (249)]
والصبر قرين الجهاد في فتح أبواب الجنة، كما قال تعالى: ((أم حسبتم أن
تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)) [آل
عمران (142)
2- مقام الدعوة إلى الله التي ينال فيها الدعاة إلى الله وأتباعهم من
الفتنة والأذى، ما لا طاقة لهم على تحمله إلا بالصبر، كما قال تعالى:
((ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا
مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين)) [الأنعام (34)]
وقال تعالى: ((فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم
يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم
الفاسقون)) [الأحقاف (35)]
وقال تعالى: ((ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم)) [النحل (110)]
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يربي أصحابه على الصبر في وقت الشدة والضعف، على الصبر على ما يصيبهم من أذى، اقتداء به.
كما في حديث خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله
لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء
بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط
بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله
ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله،
أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [مسلم (2/1322)]
3- مقام الاعتداء على الصائم بالسب والشتم أوالمقاتلة، التي يحق له فيها
أن يعامل من يسبه ويشتمه بمثل ما فعل، ولكنه يؤثر عدم استعمال هذا الحق،
ويتقي خصمه بصبره وصيامه، كما في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ
قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم
أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي،
الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها) [البخاري (2/670)]
وصبر الصائم على الشتم والسب أمر مطلوب، أما صبره على المقاتلة، بحيث
يُعتَدَى عليه بالضرب ونحوه، ففيه إشكال، وهو أن المسلم مأمور بالدفع عن
نفسه، وسكوته على العدوان عليه بالفعل، استسلام وخضوع لا يليق به، وأجيب
عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول: أن المقاتلة تأتي بمعنى المشاتمة، وهي تأتي بمعنى ذلك، وعلى هذا فلا إشكال.
الجواب الثاني: أن المراد بالمقاتلة تهيؤ المعتدي على الصائم لمقاتلته،
وليس المراد مباشرة ذلك فعلا، فإذا رأى الصائم من خصمه استعدادا لمقاتلته،
فعليه أن يبادره بقوله: (إني صائم) لعل ذلك يجعله يرجع عما عزم عليه.
فإن تمادى وبدأ بمقاتلته بالفعل، فعليه أن يدفع عن نفسه، بالأخف فالأخف من الدفع، كالحال مع الصائل. ]راجع فتح الباري (4/105)]
4- مقام هياج النفس ورغبتها في قضاء وطرها بلقاء الرجل المرأة بسبيل شرعي،
مع عدم القدرة على ذلك، فإن الصوم من أهم ما يعينه على الصبر حتى يهيئ
الله له ما يحقق له رغبته.
وفي هذا المعنى روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء).
[البخاري (2/673) ومسلم (2/1018)]
والخلاصة أن الصوم مُعِينٌ لصاحبه على الصبر في مقامات كثيرة من حياته،
وفي تسمية شهر رمضان بـ(شهر الصبر) إشارة واضحة إلى هذا المعنى، والصائم
الصادق في صومه، جدير بأن يكون صيامه لشهر رمضان، دافعا له على الصبر على
فعل الطاعات وترك المعاصي في شهر رمضان، وما تلاه من شهور، إلى رمضان آخر،
جعلنا الله جميعا من الصائمين الصابرين.
بـ(شهر الصبر)كما في مسند أحمد (2/263) وسنن أبي داود (2/322) والسنن
الكبرى للنسائي: وفيه (شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر)
(2/134) وفي سنن النسائي(4/218) وسنن ابن ماجه (1/554) ومن المراجع التي
ذكر فيها ذلك، صحيح ابن خزيمة بلفظ (وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة)
(3/191) وفي صحيح ابن حبان: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن
وحر الصدور) [(14/498) ومعنى "وحَر الصَّدر" : "غِشُّه ووساوسُه. وقيل:
الحقد والغيظ. وقيل: العداوة. وقيل: أشدّ الغضب." والمراد سلامة صدر
الصائم من تلك الأمور]
وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير، إلا أنه قال ثنا رجل من عكل ورجال أحمد رجال الصحيح (3/196)
قال في عون المعبود: قال الخطابي "شهر الصبر هو شهر رمضان، وأصل الصبر
الحبس، فسمي الصيام صبرا، لما فيه من حبس النفس عن الطعام، ومنعها عن وطء
النساء وغشيانهن، في نهار رمضان (7/58)
وهو جدير بأن يسمى (شهر الصبر) لأن الصائم يصبر فيه تسعة وعشرين أو ثلاثين
يوما، على الامتناع عما يصعب الكف عنه، وأعظمه الطعام والشراب والوقاع كما
مضى.
ولا شك أن الصبر عن هذه الأمور في هذه الأيام المتوالية، من أهم مجالات
تدريب النفس على الصبر على أوامر الله بفعلها، وعلى نواهي الله بتركها، في
هذا الشهر وغيره.
وصبر العبد على طاعته لله في أمره ونهيه، جزاؤه الجنة، ومرافقة أولياء الله من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
كما قال تعالى: ((ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيق))[النساء (69)]
و قال تعال: ((ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم)) [النساء (13)]
والصبر عدة المؤمن التي ينال به الرضا بقضاء الله، عندما يبتلى في نفسه
وأهله وماله، وهو من المبشرين بهدى الله، وأن تغشاه رحمته، ويحظى بصلواته
عليه، كما قال تعالى:
((ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون
(156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)) (157)
[البقرة]
قال الطبري رحمه الله: "وقد قيل: إن معنى الصبر في هذا الموضع الصوم،
والصوم بعض معاني الصبر عندنا، بل تأويل ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره
أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم، من طاعة الله وترك معاصيه، وأصل الصبر
منع النفس محابَّها وكفها عن هواها، ولذلك قيل للصابر على المصيبة صابر
لكفه نفسه عن الجزع، وقيل لشهر رمضان شهر الصبر لصبر صائمه عن المطاعم
والمشارب نهارا..." [جامع البيان عن تأويل القرآن (1/259)]
وممن فسر الصبر في آية البقرة السابقة، بصيام شهر رمضان، الإمام الشافعي
رحمه الله، قال القرطبي: "وقال الشافعي هو الجوع في شهر رمضان" الجامع
لأحكام القرآن [(2/173)]
والمؤمن وحده هو الذي يحظى بالخير في سرائه وضرائه، بما منحه الله من
الصبر على الحالين، كما في حديث صهيب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد
إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان
خيرا له) [مسلم (4/2295)]
وقد أمر الله عباده المؤمنين، أن يستعينوا بالصبر والصلاة على قيامهم بما
يرضيه، من تعلم دينهم الذي جاء به رسوله، وتزكية نفوسهم به، ومداومتهم على
ذكره وشكره، كما قال تعالى:
((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب
والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون (151) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا
تكفروني (152) ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع
الصابرين)) (153) [البقرة ]
وفسر بعض العلماء الصبر هنا أيضا بصوم رمضان، قال القرطبي: "وقول ثالث قال
مجاهد: "الصبر في الآية الصوم" ومنه قيل لرمضان شهر الصبر، فجاء الصوم
والصلاة على هذا القول في الآية متناسبا، في أن الصيام يمنع من الشهوات
ويزهد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع، ويقرأ فيها
القرآن الذي يذكر الآخرة والله أعلم" [الجامع لأحكام القرآن (1/372)]
والصبر له آثاره في سلوك صاحبه، في مقامات كثيرة من حياته، يعينه فيها على فعل طاعة ربه، وترك معصيته، من تلك المقامات:
1- مقام الجهاد في سبيل الله، ومقارعة الأعداء، دفعا لعدوانهم، وتحطيما
لسدود الصد عن تبليغ الإسلام إلى الناس، فالمجاهدون في سبيل الله يثبتهم
الله بالصبر وهم قليلة، ويمنحهم النصر على الأعداء وهم فئة كثيرة، ويكون
تدريب المجاهدين واختبارهم، هو طاعة قائدهم، في تحديد كمية ما تشتهيه
أنفسهم مما هو مباح لهم في الأصل، كشرب الماء، وهو شبيه بالصيام.
قال تعالى: ((فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب
منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه
إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم
بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة
كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)) [البقرة (249)]
والصبر قرين الجهاد في فتح أبواب الجنة، كما قال تعالى: ((أم حسبتم أن
تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)) [آل
عمران (142)
2- مقام الدعوة إلى الله التي ينال فيها الدعاة إلى الله وأتباعهم من
الفتنة والأذى، ما لا طاقة لهم على تحمله إلا بالصبر، كما قال تعالى:
((ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا
مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين)) [الأنعام (34)]
وقال تعالى: ((فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم
يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم
الفاسقون)) [الأحقاف (35)]
وقال تعالى: ((ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم)) [النحل (110)]
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يربي أصحابه على الصبر في وقت الشدة والضعف، على الصبر على ما يصيبهم من أذى، اقتداء به.
كما في حديث خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله
لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء
بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط
بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله
ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله،
أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [مسلم (2/1322)]
3- مقام الاعتداء على الصائم بالسب والشتم أوالمقاتلة، التي يحق له فيها
أن يعامل من يسبه ويشتمه بمثل ما فعل، ولكنه يؤثر عدم استعمال هذا الحق،
ويتقي خصمه بصبره وصيامه، كما في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ
قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم
أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي،
الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها) [البخاري (2/670)]
وصبر الصائم على الشتم والسب أمر مطلوب، أما صبره على المقاتلة، بحيث
يُعتَدَى عليه بالضرب ونحوه، ففيه إشكال، وهو أن المسلم مأمور بالدفع عن
نفسه، وسكوته على العدوان عليه بالفعل، استسلام وخضوع لا يليق به، وأجيب
عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول: أن المقاتلة تأتي بمعنى المشاتمة، وهي تأتي بمعنى ذلك، وعلى هذا فلا إشكال.
الجواب الثاني: أن المراد بالمقاتلة تهيؤ المعتدي على الصائم لمقاتلته،
وليس المراد مباشرة ذلك فعلا، فإذا رأى الصائم من خصمه استعدادا لمقاتلته،
فعليه أن يبادره بقوله: (إني صائم) لعل ذلك يجعله يرجع عما عزم عليه.
فإن تمادى وبدأ بمقاتلته بالفعل، فعليه أن يدفع عن نفسه، بالأخف فالأخف من الدفع، كالحال مع الصائل. ]راجع فتح الباري (4/105)]
4- مقام هياج النفس ورغبتها في قضاء وطرها بلقاء الرجل المرأة بسبيل شرعي،
مع عدم القدرة على ذلك، فإن الصوم من أهم ما يعينه على الصبر حتى يهيئ
الله له ما يحقق له رغبته.
وفي هذا المعنى روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء).
[البخاري (2/673) ومسلم (2/1018)]
والخلاصة أن الصوم مُعِينٌ لصاحبه على الصبر في مقامات كثيرة من حياته،
وفي تسمية شهر رمضان بـ(شهر الصبر) إشارة واضحة إلى هذا المعنى، والصائم
الصادق في صومه، جدير بأن يكون صيامه لشهر رمضان، دافعا له على الصبر على
فعل الطاعات وترك المعاصي في شهر رمضان، وما تلاه من شهور، إلى رمضان آخر،
جعلنا الله جميعا من الصائمين الصابرين.